هكذا تربط الصين ثلاث قارات وتحيي طريق الحرير


برج دونغهاي في الصين



تواصل الصين نموها الهائل بعد الإصلاحات المتراكمة في بنيتها الاقتصادية والاجتماعية من قِبل خمسة أجيال من الحكام، أوصلوا البلاد إلى المرتبة الثانية عالمياً، من ناحية الناتج المحلي الإجمالي، مع توقعات بتجاوز اقتصادها للولايات المتحدة خلال السنوات العشر القادمة، وانتشلوا مئات ملايين الصينيين من الفقر المدقع وضاعفوا أجورهم.

إحدى علامات العملَقة الصينية هي سلسلة مشاريع ضخمة سميت بمبادرة الحزام والطريق The Belt and Road Initiative التي أعلن عنها الرئيس الصيني "شي جينبينغ" في أيلول/سبتمبر ٢٠١٣ خلال زيارته لكازاخستان، فيما أعلن عن الطريق البحري بعدها بشهر في أندونيسيا، واعتُبر المشروع "طفل" الرئيسي الصيني، الذي عبّر عن طموح واسع النطاق من خلال الدمج المالي، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي والعلمي والتكنولوجي والثقافي والأكاديمي بين عشرات الدول المرتبطة بالمشروع.

ويقف خلف المشروع فكرة إعادة إحياء طريق الحرير القديم ووصل القارة الآسيوية بالأفريقية والأوروبية، عبر تنمية البنية التحتية، وإنشاء سلسلة من سكك الحديد والموانئ البحرية والبرية وأنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية والإنترنت، وشبكات طرق ضخمة في ٦٥ دولة، بتكلفة تقدر بـ ٩٠٠ مليار دولار. 

وقد يشير الاسم إلى أن مبادرة الحزام والطريق هي حزام واحد أو طريق مُترابط، لكنه يتألف من العديد من الطرق والممرات التي ستغطي آسيا الوسطى، وأخرى تمر في قارتي أوروبا وآسيا (أوراسيا)، إلى جانب طرق مائية جنوب شرق الصين والمحيط الهندي عبر شرق أفريقيا والبحر الأحمر وثم المتوسط إلى أوروبا.

لا توجد خريطة رسمية لمبادرة الحزام والطريق، لأنها لم تتحول إلى مشروع ملموس ومتماسك حتى الآن، وهو رهن العديد من السياسات المحلية والإقليمية للدول المرتبطة بالمشروع، وصفقات ضخمة لشركات البناء والتعهدات. 

وعلى الرغم من انعقاد منتدى الحزام والطريق BRF في أيار/مايو ٢٠١٧ في بكين، إلا أن الخطط الملموسة والطرق المحددة لا تزال غير متوفرة، فيما كانت الخطة الرسمية الوحيدة هي "رؤى وإجراءات" الصادرة عام ٢٠١٥.

وبحسب المعطيات المتوفرة فإن شبكة مبادرة الحزام والطريق تتكوّن من ثلاثة خطوط رئيسية، وهي:

الخط الأول: يربط بين شرق الصين عبر آسيا الوسطى وروسيا إلى أوروبا.

الخط الثاني: يبدأ من الصين مروراً بوسط وغرب آسيا ومنطقة الخليج ووصولاً إلى البحر المتوسط.

الخط الثالث: يمتد من الصين مروراً بجنوب شرقي آسيا والمحيط الهندي.

بالإضافة إلى عددٍ من الممرات البرية في إطار المشروع، ومنها ممر الصين وشبه القارة الهندية، وممر الصين وباكستان، وممر يربط إقليم يونان جنوب غربي الصين وميانمار وبنغلاديش مع شمال شرق الهند.

أما طريق الحرير البحري فيتكون من خطين رئيسيين، وهما كالتالي:

الخط الأول: يبدأ من الساحل الصيني مروراً بمضيق مالَقَة إلى الهند والشرق الأوسط وشرق أفريقيا، فوصولاً إلى سواحل أوروبا.

الخط الثاني: يربط الموانئ الساحلية الصينية بجنوب المحيط الهادئ.

وتعتبر المبادرة طويلة الأجل، ويضع تقرير لجامعة رينمين Renmin الصينية الموعد النهائي للمبادرة عام ٢٠٤٩، الموافق للذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.

وتمضي الحكومة الصينية بكامل قوتها للدفع في هذه المبادرة والترويج لها داخل وخارج البلاد، كما خصصت بكين الأموال من خلال مصرف الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي AIIB الهادف إلى التنمية الخارجية، ومن خلال صندوق طريق الحرير الذي تبلغ قيمته ٤٠ مليار دولار.

وشهدت عقود الاستثمار وتجديد الموانئ والبنية التحتية زيادة بنسبة ١٣٪ عام ٢٠١٧ مقارنة بالعام الذي سبقه، حيث بدأت الصين ببناء طرق وبنية تحتية في طاجاكستان، كما ساعدت الصين جارتها كازاخستان، الغنية بالنفط، في تطوير ميناء جاف (بري) وخطوط سكك حديدية وخط أنابيب. 

وستشهد كازاخستان الكثير من حركة الشحن، حيث سارت العديد من القطارات من الصين إلى إيران حتى الآن على طول الخطوط الجديدة. كما يعتزم مسؤولون من الجانبين تبسيط حركة المرور على ٣٣ خط سكة حديد من الصين عبر كازاخستان إلى أوروبا.

ويبقى تفسير المبادرة معتمداً مختلف وجهات النظر والقراءات، حيث ترى بعض الآراء في المشروع بأنه مبادرة اقتصادية تهدف إلى تعزيز التنمية الدولية، أو أنها استراتيجية الرئيس "شي جينبينغ" الكبرى لزيادة هيمنة الصين الإقليمية، أو أنها مشروع جيوسياسي يهدف لتأمين الطاقة، أو محاولة لتحسين علاقات الجوار، أو خطة لتخليص الصين من زيادة رأس المال وفائض القدرة، وربما قد تكون جميعها صحيحة وتتسبب بإضعاف وجود الولايات المتحدة في المنطقة، وسط تراجعها المستمر دولياً على مختلف الصعد، وبدء بزوغ توازن دولي جديد يضعف من هيمنة الولايات المتحدة، كقطب أوحد عالمي، رغم تقدمها العسكري الهائل.

نادر عازر